الاثنين، 25 يناير 2016

من نوادر البخلاء

حدَّثنا رحَّالُ بن مهاجرٍ، قال: مررتُ بمروٍ في طريقِ عودتي من سمرقندَ وقد هدَّني الجوعُ وبلغَ منِّي العطشُ أيَّ مبلغ، فما استضافني أحدٌ منهم ولا أكرمَ وِفادتي! وصادفتُ فيها أبخلَ بن شَحيحٍ المروزيّ، فجلستُ إليه أحادثُه - على غير زادٍ ولا ماءٍ - وأسردُ له من أخبارِ سَفْرتي، حتّى أتيتُ على ذكرِ العطورِ والروائح، فسألته عن أيُّها يفضِّل، فقال: " رائحة الشواء "، ثُمَّ أخذنا الحديثُ إلى أخبار المغنِّينَ والمطربين، فراودَني الفضولُ لمعرفةِ اللحنِ الذي يطربُه سماعَهُ، فسألتُه: " أيُّ الأصواتِ تحبُّ؟ "، فأجاب: " صوتُ رنينِ الدراهم "، فما أنْ سمعتُ جوابَه حتَّى نهضتُ من فوري آيِساً من قِراهُ ونافراً من جفاهُ، وترّحلتُ - من توِّي - عن مروٍ وأنا ألعنُ المدينةَ وأسبُّها وأهلَها، وأقول: " قُبِّحتِ من مدينةٍ وقُبِّح زائرُك، أتيتُك في شرِّ حالٍ وغادرتُك بحالٍ أشرَّ منه! ".

الجمعة، 22 يناير 2016

ثورةٌ ضائعة

كان حُــــلْماً رائعاً .. آهِ مــــــــــا أروعَهُ
مثلَ لـــمْحِ البَصَرِ .. مرَّ مــــــــا أسْرعَهُ
قدْ بَذَلْنا فــــيهِ منْ .. عُـــــــــــمرِنا أيْنعَهُ

***

وشَهيداً قــــدْ لقِيْ .. دُونَــــــــهُ مَصرَعَهُ
لم يُبالِ الموتَ في اْلـــــــــحقِّ ما أشْجعَهُ
إذْ رأى في مـــوتهِ .. عــيشَ من هُمْ معَهُ
قدْ بـــــــــكَتْهُ مدامعٌ .. والعُـــــــلا شيَّعَهُ
صرخةٌ من صامتٍ .. غير مـــــا أسْمعَهُ
شنَّفَ الــــــكونُ لها .. مُـــــرهِفاً مسمعَهُ
يا رفاقِ تـــــجَلَّدوا ..  هـــــانَ أنْ نَخلعَهُ

***

وشباباً نَــــــــيِّراً .. دهــــــــــــرُهُ طبَّعَهُ
ثار في وجهِ الأُلى .. مـــــــزَّقوا أضْلعَهُ
لا رصــــــاصاً ردَّهُ .. لا ولا أفْـــــزعَهُ
لم يصدِّقْ حـــــــالِفاً .. رادَ أنْ يَخْـــدعَهُ
أو رَعيلاً ســـــــالِفاً .. ذُلُّـــــــــهُ طوَّعَهُ
عاش دهراً خـــانِعاً .. بئسَ مـــــا خنَّعَهُ

***

ثار حتَّى إذْ هوى .. عـــرشُ من روَّعَهُ
وأتى الفـــجرُ الذي .. يرتجي مَــــطلعَهُ
ضـــــاعَ منَّا حُلْمَنا .. تبَّ من ضــــيَّعَهُ
ليتَ شِعْري هل نرى .. يومَ أنْ نُرجعَهُ؟


تولوز - 23/1/2016


الخميس، 21 يناير 2016

أربعة أعوامٍ على الغربة

مضى عــــامانِ يا أمِّي .. ومن قبلَيْهما عــــامانْ
مضي عامانِ مُذْ ودَّعْــــــتِني بالدمعِ والأحضانْ
مضى عامانِ مذْ نَعُمَتْ .. برُؤيةِ والدي العــينانْ
فما رفقا بمُـــــغتربٍ .. ولا رقَّا لقلبٍ عــــــــــانْ
وما تركا ســوى جسدٍ .. دَهتْهُ شــــدائدُ الأحزانْ




تولوز - 22/1/2016

وداعٌ مؤقّت

قال لها حبيبُها بعد أنْ ودّعها عازماً السفرَ طلباً للعلم، يذكّرها بأنّه عائدٌ لا محالة:

إنِّي وإنْ طال الغيابُ لَعائدٌ .. فالنفسُ من طول اغترابٍ تضجَرُ
وعدٌ وإنَّ الحرَّ موفٍ وعدَهُ .. فأنا على بُــــــعدِ النوى لا أصبِرُ





الأربعاء، 20 يناير 2016

أشواق مغترب

العينُ بين الدمْــــعِ والسَهَدِ .. والقلبُ رهْـــــنُ الغمِّ والكمَدِ
والفكرُ منشغلٌ ومضطربٌ .. والروحُ لا تَـلوي على رشَدِ
والجسمُ ثــــاوٍ في مَرابعِها .. بُـــــــعدُ المُقامِ أضرَّ بالجسَدِ
ما بي على فُرْقاكُمُ جَــــــلَدٌ .. أعـــــــــيا بقلبي كثرةُ الجَلَدِ
إنْ تكتحلْ عـــيني برؤيتكم .. لم تـــــكترثْ بالقذْيِ والرمَدِ
واللهِ لولا العلمُ ما اغتربتْ .. نفسي برُغمِ الضِّيقِ في بلَدي
فالعــيش بينكُمُ على ضَنَكٍ .. خيرٌ من الإغــرابِ في رغَدِ
الشــــوقُ أرّقنّي وأحرقني .. حرَّى من الأَنــــواءِ يا كَبِدي
يا ليت شعريْ هل أجاذِبُكمْ .. أطرافَ قولٍ دار في خَـلَدي
في مجلسٍ يـا طِيبَ جَمْعتِهِ .. حُـــــــبَّيَّ من أهلٍ ومن ولَدِ


تولوز - 20/01/2016

أبياتٌ في التجلّدِ على مصاعب الغربة وضغط الدراسة:

لله دَرُّك من فـــــتىً جَلْدِ .. سَعَد الذّي ربّــاك يا وَلَدي
تَــــلقى من الآلام مُغترباً .. ما هـــدَّ أركانَ ذوي الجلَدِ
وحملتَ من عزمِكَ مُنفرداً .. ما ليسَ يحملُهُ ذوو العدَدِ
وطمحتَ للعــلياءِ مُجتهداً .. والله يرزقُ كــــــلَّ مجتهِدِ



تولوز - 20/01/2016

الثلاثاء، 19 يناير 2016

حسناءٌ على ضفّة الجارون

جلسا ذات مساءٍ إلى مائدةٍ في أحدَ مطاعمِ تولوزَ الفرنسيّةِ المطلّة على نهر الجارونِ البديعِ يتناولان طعامَ العشاء، حين هبّتْ نسْمةٌ ربيعيّةٌ وأخذتْ تداعبُ خصلاتِ شعرِها الذهبيّ ...


لَثَم الكـــــــأسَ بثغر .. لثْمَ إصبــــــــاحٍ لفجرِ
رشــــأٌ سبحانَ ربّي .. وجهُههُ كَتمامِ بـــــدرِ
أزرقُ العينينِ ممشوقُ .. القوامِ نــحيلُ خصرِ
عسجديُّ الشعرِ ورديُّ .. الخُدودِ طويلُ نـحرِ
رفع الكــأس مليّاً .. فمضتْ في الثــغرِ تجري
بنتُ كــــرمٍ كالعقيقِ .. وصـــفُها  أطيبُ خمرِ
ناولتني الكأسَ أنْ خُذْ .. رشفةً يا بعدَ عمري
فابتسمتُ وقلتُ مــهلاً .. بنتَ تــــولوزَ تَحَرِّي
اعذريني يا حــــــياتي .. إنَّما حــــبُّكِ خمري
يشهدُ السُهدُ بأنْ في حُسنِكِ الأخَّاذِ سُكْري


تولوز - 03/12/2016

وداعٌ على أملِ اللقاء

جلسا مطرقين على أريكةٍ في صالة الانتظار الخارجيّة بمطار جيمهاي الدولي (ببوسان في كوريا الجنوبية) وبجواره حقيبةُ سفرِه .. رفعتْ رأسها ورمقتهُ بنظرة عتابٍ أخيرةٍ والدموعُ تنهمر من عينيها الضيقتين .. ثم قامت ومضت غير آبهةٍ بدموعه وتوسّلاته ...

تقولُ لـــــي والدموعُ .. على الخـــدودِ تسيلْ
(أراحلٌ أنت عـــنّي؟! .. وتاركي للـــــــذّبولْ؟!
أغرقتني بالأمـــــاني .. وخذلتني يا خَـــــذولْ
عــاهدتني أن ستبقى .. واليوم تنوي الرحيلْ
أليس حفظُ العهودِ .. من شيمةِ ابن الأصولْ؟!
يا ويلتي يا ثبــوري .. قد مـات حُلْمي الجميلْ
ضيّعتُ عـمري هباءً .. أسـتشرفُ المستحيلْ
أحلامنا, الذكــــرياتُ .. وكــــــلُّ شيءٍ جميلْ
هــــــانت عليك جميعاً .. فقتلتَها يا قــــــتولْ
فــــارحل بغير وداعٍ .. قد مـــات حبّي النبيلْ)

وما لم يتسنَّ لهُ قولُه:
يا بنت (لي سونْجُ) مهلاً .. رفقاً بقلبي العليلْ
لا تقتليني فـــــــإنّي .. بالهجرِ مــنكِ قـــــتيلْ
لا تأخذيني بـــــظنّ ٍ .. ولْتَسْمعي مـــــا أقولْ
ما خنتُ عــــهداً وربّي .. ولا عــــزمتُ الرحيلْ
وإنّ سَفْري لَــــــعامٌ .. أَاْلْـــــعامُ دهرٌ طويلْ؟!
الـــــــعامُ عمرٌ قصيرٌ .. سرعانَهُ مــــــــا يحولْ
وإنّني يــــــــا حياتي .. لـــــــعائدٌ عن قـــليلْ



تولوز - 16/12/2015

محاولة شعريّة لترجمة نصّ قصيدة (إيرلكوينغ - Der Erlkönig) للشاعر الألماني يوهان غوته


بينَ رحابِ القصيدة:
قصيدةُ إيرلكوينغ (ملك الإلْف أو ملك العفاريت) هي قصيدةٌ كتبها الشاعر الألمانيّ يوهان غوته ونُشرت عام 1782م، وهي مستوحاةٌ من أغنيةٍ شعبيّةٍ من الفلكلور الدنماركيّ (إيلفزكود؛ Elveskud).

تتحدث القصيدةُ عن صبيٍّ قلقٍ يحمله والدهُ ليلاً على ظهر جواده عائدين إلى مزرعتهما، وفي الطريق يبدو أنّ الطفل يسمعُ ويرى كائناتٍ غريبةً لا يستطيع أبوه سماعَها
 ولا رؤيتَها.


يشتكي الطفل لأبيه هذه الكائنات، فيحاول الأب طمأنته بأنّ ما يراهُ ليس إلّا محضَ تهيؤاتٍ، ثمّ يشرع في تفسير هذه الظواهر لابنه. 
وفي نهاية المطافِ، يخبر الطفلُ أباه أنّ الكائنَ الغريبَ قد هاجمه، فيسرع الأب وجلاً إلى مزرعته، ليكتشف عند وصوله أنّ ابنه قد فارق الحياة.




القصيدةُ تمّ ترجمتُها إلى عدّة نصوصٍ شعريّةٍ بلغاتٍ مختلفةٍ، لكنّي لم أقفْ على ترجمةٍ شعريةٍ إلى العربية لنص القصيدة، فحاولت أن أقوم بترجمتِها إلى هذا النصِّ الشعريِّ المتواضع محاولاً الحفاظَ - قدرَ الإمكانِ - على معاني الأبياتِ دون تغييرٍ، وأتمنّى أن تنال إعجابكم.


نصُّ الترجمة:

(1)
اللــيلُ موحشٌ .. والريحُ بــــاردَةْ
والطفل مُرتمٍ .. في حضن والدِهْ
ينشدُ فيه عـنْ .. اْلدِّفءِ والأمـانْ
ويـــشقُّ بهما .. العتمةَ الحـصانْ

(2)
يا طفليَ الحبيبْ .. ما بك خـائفُ؟
أبـــــي ألا ترى .. ذاك الآلِــــــفُ؟
يـــلبسُ تاجَهُ .. ويرتدي إهـــــابْ
بـــنيّ لا أرى .. إلّا هـــذا الضبابْ

(3)
يـــا أيّها الصبيّْ .. هـــيّا بصحبتي
إنْ تـــأتِيَنْ معي .. أعطيك لـعبتي
وهناك شاطىءٌ .. زِيـــنَ بــــــأوْرُدِ
وأمِّ تكـــسُوَنْكَ بثــــوبٍ عسجديّْ

(4)
حـــــقّاً أيا أبي .. لم تسمعَنْ شيّا
من همسِ الإلفِ لي .. ووعدهِ ليّا؟
يا ولـــدي اطمئنّْ .. فـالذي تسمعُ
حفيفٌ للشَّـــــجَرْ .. والـريحُ تخدعُ

(5)
يا أيــــــــّها الفتى .. أقــــــــادمٌ معي؟
فَبُنيّاتي الصـــــغارْ .. يرقبنَ مــــرجعي
يرقصن في المساءْ .. تحتَ ضـوءِ القمرْ
يصدحنَ بالغـــناءْ .. ويعشقنَ السَـــمَرْ

(6)
صِــدْقاً أيا أبي .. لستَ تبصرهنّْ؟
فـــبناتُهُ هناكْ .. لي قدْ أحضرهنّْ
يا طفلِيَ العزيزْ .. إنّي حــــقّاً أرى
أنَّ الصفصافَ قدْ .. يــَـخدعُ البَصَرَا

(7)
أهواكَ يـــا فتي .. وحسنُكَ أهـــواهْ
إنْ لم تجئْ معي .. طوعاً فبالإكراهْ
أدركْنِ يـــا أبي .. فقد أمــسكَ بي
ملكُ الإلفِ لقدْ .. آذانِ يـــــــــا أبي
         
(8)
انــــتفضُ الأبُ .. رعباً فأســــرَعَا
في حــضنِهِ ابنُهُ .. يئنُّ مــــوجَعَا
بمشقّةٍ وصــــلْ .. فـــناءَ مزرعِهْ
وجــــــــثةُ ابنِهِ .. مـا بينَ أذرعِهْ
تولوز - 10/01/2016