الجمعة، 28 فبراير 2014

السايس والملك


خرج الملك في موكب عظيم يتجول في مملكته .. وفي أحد الطرق استوقفه مشهد رجلٍ يجمع بقايا الطعام من إحدى أكوام القمامة .. أشار الملك إلى أحد رجاله وأمره بأن يحضر له الرجل ليستخبر حاله .. فأُتي بالرجل مذعوراً .. طمأنه الملك وهدّأ من روعه ثم سأله عن حاله .. فأخبره الرجل بأنه أبٌ لعددٍ من الأولاد والبنات وأنه لا مصدر دخل له فلا يقدر على شراء الطعام .. لذا فهو يعمد إلى جمع فضلات الطعام من المكبات ... أشفق الملك عليه وعيّنه سائساً لخيله .. فرح الرجل بذلك وعلى الفور أحضر عائلته وانتقل للسكن في قصر الملك.

مرّت الأيام والسائس ينعم في أرغد عيش .. فقد تغير عيش المعدم وأظهرت له الدنيا وجهها الحسن من بعد ضنك العيش .. حتى أتى ذلك اليوم الذي أقبل الملك فيه على السائس يسأله عن أحواله وأهله وعمله .. ثم أخذ الملك يتفقد أحوال الخيل حتى وصل إلى أحبّ خيله إليه وأعزّهم لديه .. فسأله الملك: " ما رأيك في هذا الجواد؟ " .. فأجاب السائس: " إنه جواد جميل .. قلّما تصادف مثله .. إلاّ أن فيه عيبا واحدا" .. تغيّر وجه الملك وسأله متعجباً: " وما هو؟ " .. أجاب السائس: " هذا الجواد أرضعته بقرة " .. صُدم الملك لجواب السائس فخرج لا ينطق جواباً وعلى الفور أمر باستدعاء التاجر الذي أهداه هذا الجواد .. فسأله الملك: " أخبرني عن الجواد الذي أهديتني إياه " .. أجاب التاجر: " إنه جواد أصيل .. وما كنت لأجد أحدا أولى به من الملك تطيب نفسي بإهدائه إليه " .. ردّ الملك: " أصدقني عن الجواد وإلا فلن ترى الخير " .. أحس التاجر بغضب الملك فآثر الصدق : " أيّها الملك .. لقد ماتت أمّ هذا الجواد أثناء ولادته .. وكانت عندي بقرة فوضعته تحتها .. فربي معها يرضع منها وتحنو عليه كأنه صغيرها ".


تبيّن الملك صدق السائس وعزم على الإمعان في اختباره .. فاستدعاه في اليوم التالي وسأله عن صقره .. أجاب السائس: " إنه صقر قويّ سريع مدرّب أحسن التدريب .. إلا أن أمه دجاجة " .. انتفض الملك غضبا قائلا: " ماذا؟ .. أمدرك أنت لما تقول " .. وأمر باستدعاء مدرّب الصقر .. واستنطقه بشأن الصقر .. فأقرّ المدرب بأنه وجد بيضة صقر في أحد أعشاش الصقور .. وأنه أخذها ووضعها وسط بيض ترقد عليه دجاجته .. حتى فقست البيضة وخرج منها الصقر .. فعلّمه ودرّبه حتى غدا صيّاداً بارعاً لا يفلت منه طيرٌ في السماء .. فأهداه للملك.

استشاط الملك غضبا وعزم على الإيقاع بسائسه .. فاستدعاه لقصره ثم أمره أن يسوس له زوجته .. ذُهل السائس لأمر الملك إلا أنه لم يكن له بدّ .. نظر السائس إلى زوجة الملك ثم قال له - على انفراد: " إن الملكة يا سيدي من أجمل نساء المملكة .. إن لم تكن الأجمل " .. نظر إليه الملك بحدّة ثم قال له : " ليس عن هذا سألتك .. أريدك أن تخبرني بأصلها " .. ابتلع السائس ريقه بصعوبة وسأل الملك الأمان فأجابه الملك إلى ذلك إن صدقه .. فقال: " سيدي الملك .. إنها غجرية " .. نزل الجواب كالصاعقة على الملك ..  فذهب من فوره إلى أصهاره .. وتوعدهم إن لم يصدقوه عن ابنتهم .. فبينوا له حقيقة الأمر .. وأن قوما من الغجر نزلوا بمدينتهم ثم ارتحلوا بعد مدة وخلّفوا وراءهم طفلة صغيرة نسوها في غمرة رحيلهم .. فتعهدوها حتى كبرت وأصبحت أجمل نساء المدينة .. فلم يجدوا أحدا خيرا من الملك يتزوجها.

رجع الملك إلى سائسه وصدره يتقدّ .. وأمره هذه المرة أن يسوسه ويعرف أصله .. أدرك السائس أن هذه النهاية وأنه ميت لا محالة إن لم يصدق الملك القول .. فرفض الإجابة قبل أن يؤمّنه الملك .. حينها أجاب: " سيّدي الملك .. أعظم ملوك الأرض .. غير أنك لست من صلب الملك الراحل !! " .. اسودت الدنيا في عينيّ الملك وأطبق السكون فلم يكن يرى أو يسمع ما يدور حوله .. استجمع ما تبقى من وعيه ومضى إلى أمه .. وضع السيف على رقبتها وهدّدها بالقتل إن لم تصدقه  .. انهارت أم الملك وشرعت في البكاء .. تستعطفه وتستلينه وتقسم له بأنها أمه وأنه ابن الملك الراحل .. غير أنه لم يعبأ بتوسلاتها ولا باستعطافها .. فلمّا يئست منه صارحته بالحقيقة الصادمة .. فالملك السابق لم يكن ينجب وخاف أن يضيع ملكه فطلب من زوجته أن تواقع أحد أعوانه ثم لمّا تبيّن حملها أمر بقتل هذا الشخص.

اعتزل الملك حاشيته ورجاله وأخذ يسترجع ذكرياته .. أيام سعادته وهنائه قبل أن يصادف وجه النحس الذي قلب حياته رأساً على عقب .. وجعل أحبّ الأشياء لديه مصدراً لتعاسته .. هنا أضمر الملك الشرّ بالسائس وعزم بصدق على قتله .. فخرج من عزلته وأمر أن يؤتى بالسائس إليه .. فلمّا أُحضر رمى السائس بنفسه على قدميّ الملك يتمسح بنعليه ويسأله أن يعفو عنه لا لأجله ولكن لأجل أولاده .. لم يعبأ الملك بتوسلات السائس إلا أنه وضعه تحت اختبار نتيجته حتمية وهي موت السائس لا محالة .. أشار الملك إلى ثلاث جرار بجواره وأمر السائس أن يخمن ما بداخلها فإن أخطأ قتله .. أدرك السائس أنه ميّت لا محالة وأن لا أمل في نجاته .. فكيف له أن يعلم ما بداخل هذه الجرار وهو الذي لا يعرف أصلاً أصول السَوس .. فكل ما أخبر به الملك من قبل ما هي إلا تخمينات وتكهنات تصادف أنها كانت صادقةً جميعُها !!

طلب السائس من الملك طلباً أخيراً بأن يودّع أبناءه قبل الرحيل .. أجابه الملك إلى طلبه على مضض .. ولمّا اجتمع السائس ببنيه قال لهم على مسمعٍ من الملك - ملخّصاً مراحل حياتهم معاً والدموع تترقرق في عينيه: " يا أولادي .. الأولى زفت .. والثانية عسل .. والثالثة قطران " .. يقصد أن عيشهم كان ضنكاً (زفت) ثم غمرتهم النعم (عسل) والآن انقلب الحال إلى فراق وموت (قطران - زفت مُسال).

ظنّ الملك أنّ السائس يتحدث عن الجرارالتي كانت مملموءة بالفعل كما قال .. زفت وعسل وقطران .. فلم يكن أمامه إلا يعفو عن السائس كما وعد - على غير رغبةٍ منه .. وأمر بطرده وأهله من القصر والمدينة.

الأربعاء، 12 فبراير 2014

الرنّ أو السبع حجار


الوصف :-
من الألعاب الشعبية التي يلعبها الأطفال في شمال السعودية وجنوب الأردن وفلسطين .. وتسمى بلعبة "الرنّ" أو "السبعة أحجار" .. سبب التسمية قد يرجع لعدد قطع الأحجار المستخدمة في اللعبة بداية نشأتها .. أمّا اليوم فعدد القطع قد يزيد عن ذلك

عدد اللاعبين :-
من 6-12 طفل تتراوح أعمارهم بين 8 أعوام و 13 عام.

الأدوات :-
- كرة صغيرة بحجم كرة التنس الأرضي (بحجم قبضة اليد تقريبا)
- عدّة قطع من الحجارة الرقيقة الملساء بما يسمح برصّها رأسياً فوق بعضها البعض (عادةً ما تكون من قطع البلاط المكسّر أو من أحجار البناء)



شرح اللعبة وقوانينها :-
- ينقسم الأطفال إلى فريقين في بداية اللعبة .. أحدهما يمثل الفريق المهاجم (ومهمته بناء الأحجار المتهدمة) والآخر مدافع (ومهمته منع الفريق الآخر من إعادة بناء الأحجار)
- يتم بناء الأحجار برصّها وتصفيطها فوق بعضها البعض .. ثمّ يُحَدّد خطّ على بعد 5-8 أمتار من الحجارة المبنيّة .. ويصطف أعضاء الفريقين خلق هذا الخط
- يتناوب أعضاء الفريقين على التصويب على الحجارة المبنية لإسقاطها (بعد تحديد الفريق البادئ عن طريق القرعة) .. وعند يمكّن أحد اللاعبين من إسقاط الحجارة يكون فريقه الفريق المهاجم
- يتفرق لاعبو الفريق المهاجم بينما ينتشر لاعبو الفريق المدافع ويبقى أحدهم بجوار الحجارة للدفاع
- يتبادل أفراد المدافع الكرة في محاولة لإصابة جميع أفراد الفريق المهاجم قبل تمكنّهم من إعادة بناء الحجارة المهدّمة (فاللاعب الذي تصيبه الكرة في أي جزء من جسده عدا رأسه يعتبر خارجاّ من اللعبة).. بينما تتوقف مهمة أفراد الفريق المهاجم على المراوغة وتفادي الإصابة حتى التمكنّ من رصّ الأحجار وإعادة بنائها .. وقد يقوم أحد اللاعبين  المهاجمين بتشتيت الكرة برأسه لإتاحة الفرصة لبقيّة أفراد الفريق للوصول للهدف والشروع في البناء (وفي هذه الحالة لا يعتبر اللاعب خارجاً من اللعبة)
- يعتبر الفريق المهاجم فائزاً إذا تمكنّ من إعادة بناء الحجارة ورصّها .. أمّا إذا أُصيب جميع اللاعبين قبل تحقيق الهدف فالفريق المدافع هو الفائز في اللعبة

السيجة


الوصف :-
لعبة شعبية تنتشر في السعودية (تحديداً شمال المملكة) ومصر والسودان والأردن وفلسطين .. تستهوي كبار السنّ وإن كان يلعبها بعض الشباب أيضاً .. يمكن القول بأنّها "شطرنج البادية" .. تُلعب عادةً في الفترة بين صلاتي العصر والمغرب (حيث يجتمع كبار السنّ للحديث وتمضية الوقت)



طريقة اللعب :-
- تُصنع حفرٌ صغيرةٌ في الرمل على شكل أسطر حيث تتكون من 7 أسطر في كل سطر منها 7 حفر فيكون عدد الحفر 49 حفرة تسمى "دُور - جمع دار" .. والطريقة المتبّعة عادةً لصنع الحفر هي باستعمال كلا الإبهامين بالتوازي وبالتزامن لخطّ سطرين عموديين وتكرار الأمر مرتين أخريين ثم إضافة سطر (أو خطّ) سابع بإبهامٍ واحدٍ فقط
- تغطى الحفرة الوسطى بكومة صغيرة من الرمل (على قدرها فقط فلا يتجازوها الرمل إلى الحفر المجاورة)
- يجمع كل لاعب 24 قطعة متجانسة (من الحصى أو البعر أو أعقاب السجائر أو العيدان وخلافه مما توافر بالجوار بشرط التجانس والملاءمة) بحيث يمكن التمييز بسهولة بين قطع اللاعبين .. تسمى هذه القطع بالجِراء (جمع جرو)
- تبدأ اللعبة بالنزول (أو مرحلة "الرمي") .. وهو أن يبدأ اللاعبان بوضع (الجراء) في (الدور) بالتناوب جروين جروين (أي أن يبدأ أحد اللاعبين "المُقدِم" بوضع جروين في حفرتين أو دارين ثمّ يقوم اللاعب الآخر بدوره بوضع جروين في دارين .. ويستمرّ اللاعبان في وضع الجراء بالتناوب حتى نفاذ الجراء وامتلاء جميع الحفر (عدا الحفرة الوسطى المغطّاة بالرمل)
- تبدأ المرحلة الثانية من اللعبة وهي مرحلة اللعب بأن يشرع اللاعب المقدم (البادئ في الرمي) بتحريك أحد جرائه إلى الحفرة الوسطى ليفسح المجال لمنافسه بالحركة .. ويتلوه منافسه بتحريك أحد جرائه إلى المربع الخالي
- يتناوب اللاعبان على تحريك الجراء بالتتابع نقلة بنقلة (كل نقلة تسمى "رَحَلَة") إلى أي اتجاه في المربعات الخالية (أفقيّاً أو عمودياً) بشرط عدم التخطّي لإخراج جرو أو أكثر (بنقلة واحدة أو بسلسلة من النقلات المتتابعة في الدَور الواحد) بحصار جراء الخصم بين جروين من جراء اللاعب صاحب الدور والنقلة (حيث يعتبر الجرو المحاصَر خارجاً من اللعبة)
- اللاعب الذي يخرج جميع جراء خصمه من اللعبة مع بقاء جروين أو أكثر من جرائه في اللعبة يعتبر فائزاً باللعبة

شروط اللعب :-
- لا يجوز البدء باللعب إلاّ بعد الانتهاء من عملية النزول
- لا يجوز النزول في الحفرة الوسطى (المغطّاة بكومة الرمل الصغيرة)
- لا يجوز النزول بأكثر من جروين دفعة واحدة
- لا يجوز النزول بجروين في نفس الدار (الحفرة)
- لا يجوز نقل أكثر من جرو في نقلة واحدة
- لا يجوز التخطي في النقل
- يشترط في الحصار أن يكون عمودياً أو أفقياً .. وحصار الأركان لا يُيعتّد به
- يكون جرو الخصم محاصراً إذا وقع بين جروين من جراء اللاعب صاحب النقلة في نفس النقلة (بالنقل المباشر) .. ولا يكون محاصرا إذا وقع بين جراء الخصم ابتداء نتيجة النزول أو المجاورة

من استراتيجيات اللعبة :-
- قد يتعمد أحد اللاعبين أثناء النزول (الذي يشرع بالنزول والنقل أولاً) أو بنقلة البداية إغلاق المنافذ على خصمه بحيث لا يجد مجالاً للقيام بنقلته (أو رَحَلَتِه) .. وذلك لإجباره على النقل في المكان الذي يختاره هو (بما يكون لصالحه) بعد أن يحرّك أحد جرائه فاتحاً دربا للخصم .. إلاّ أنّ هذه الاستراتيجية غير مستحبّة ويعتبرها المعظم من سمات اللعب غير النظيف
- يلجأ اللاعب الذي يبدأ بالنزول (والنقل) ثانياً لرصّ جرائه أثناء النزول بشكل متقارب (لتصبح متكتّلة في مكان واحد) لتحمي بعضها البعض .. وليمنع جراء خصمه من الوصول لجرائه المحجوزة في الداخل .. وفي هذه الحالة يستطيع أن يرغم خصمه على إخراج جروين مقابل كل جرو من جرائه المعزولة في الداخل (بشرط أن يكون هذا الجرو قادراً على التنقل بين 3 دور متجاورة .. وعليه فالجراء المقيّدة أو التي تتحرك في دارين فقط لا يمكن استبدالها بجروين من جراء الخصم) .. ويسمى هذا الجرو في هذه الحالة ب" أبو اثنين"
- استبدال الجراء المعزولة بضعف عددها من جراء الخصم متاح فقط للاعب الذي يلعب ثانياً .. ويحرص اللاعب الذي يبدأ في النزول دوماً على منع خصمه من تكتيل الجراء بوضع جرائه قريباً من جراء خصمه (في الوسط وعلى الأطراف)

مأساة ابن زريق




  يعيش الشاعر أبو الحسن عليّ أبو عبد الله بن زريق البغدادي المعروف بابن زريق مع زوجته وابنة عمه التي يحبّها كل الحبّ ويعشقها كل العشق .. يعيشان في بغداد في ضنك من العيش وضيق ذات اليد .. فيقرّر الشاعر أن يرتحل إلى الأندلس علّه يجد في ملوكها وأمرائها غايته ومبتغاه .. تتعلّق به زوجه وحبيبته وترتجيه أن لا يتركها .. فهي تصبر على الفقر ولكنها لا تقوى على الهجر .. تترقرق الدموع في عينيه ولكن لا بدّ من الرحيل.

يصل شاعرنا إلى الأندلس بعد طول سفر .. وهناك يجاهد ويكافح من أجل تحقيق الحلم .. لكن التوفيق لا يصاحبه .. يقصد الأمير أبا الخير عبد الرحمن الأندلسي ويمدحه بقصيدة بليغة فيعطيه الأمير عطاءً قليلاً اختباراً له .. يتجرّع ابن زريق الغصّة فيقول وقلبه يتلظّى: " إنّا لله وإنّا إليه راجعون .. سلكت القفار والبحار إلى هذا الرجل .. فأعطاني هذا؟ ".

يعود ابن زريق إلى غرفته في الخان .. ويستلقي على فراشه وقد اشتد به الحزن والمرض غريباً وحيداً .. يمضي ليلته يتذكر زوجته ويتذكر بكاءها واستعطافها له بأن يبقى ولا يتركها وحيدة من بعده .. يعزّ عليه حاله فينهمر بالبكاء .. يمسك برقعة من القرطاس ويشرع بكتابة رائعته التي تصوّر حاله وحبّه لزوجته وندمه على عدم الالتفات لنصحها وتصوّر رحلته واغترابه وألمه وغربته .. يطوي الرقعة ثم يضعها تحت وسادته .. ويغمض عينيه لينام النومة الأبدية.



نص القصيدة:

لا تَعذَلِيه فَإِنَّ العَذلَ يُولِعُهُقَد قَلتِ حَقاً وَلَكِن لَيسَ يَسمَعُهُ
جاوَزتِ فِي نصحه حَداً أَضَرَّبِهِمِن حَيثَ قَدرتِ أَنَّ النصح يَنفَعُهُ
فَاستَعمِلِي الرِفق فِي تَأِنِيبِهِ بَدَلاًمِن عَذلِهِ فَهُوَ مُضنى القَلبِ مُوجعُهُ
قَد كانَ مُضطَلَعاً بِالخَطبِ يَحمِلُهُفَضُيَّقَت بِخُطُوبِ الدهرِ أَضلُعُهُ
يَكفِيهِ مِن لَوعَةِ التَشتِيتِ أَنَّ لَهُمِنَ النَوى كُلَّ يَومٍ ما يُروعُهُ
ما آبَ مِن سَفَرٍ إِلّا وَأَزعَجَهُرَأيُ إِلى سَفَرٍ بِالعَزمِ يَزمَعُهُ
كَأَنَّما هُوَ فِي حِلِّ وَمُرتحلٍمُوَكَّلٍ بِفَضاءِ اللَهِ يَذرَعُهُ
إِذا الزَمانَ أَراهُ في الرَحِيلِ غِنىًوَلَو إِلى السَندّ أَضحى وَهُوَ يُزمَعُهُ
تأبى المطامعُ إلا أن تُجَشّمهللرزق كداً وكم ممن يودعُهُ
وَما مُجاهَدَةُ الإِنسانِ تَوصِلُهُرزقَاً وَلادَعَةُ الإِنسانِ تَقطَعُهُ
قَد وَزَّع اللَهُ بَينَ الخَلقِ رزقَهُمُلَم يَخلُق اللَهُ مِن خَلقٍ يُضَيِّعُهُ
لَكِنَّهُم كُلِّفُوا حِرصاً فلَستَ تَرىمُستَرزِقاً وَسِوى الغاياتِ تُقنُعُهُ
وَالحِرصُ في الرِزقِ وَالأَرزاقِ قَد قُسِمَتبَغِيُ أَلّا إِنَّ بَغيَ المَرءِ يَصرَعُهُ
وَالدهرُ يُعطِي الفَتى مِن حَيثُ يَمنَعُهإِرثاً وَيَمنَعُهُ مِن حَيثِ يُطمِعُهُ
اِستَودِعُ اللَهَ فِي بَغدادَ لِي قَمَراًبِالكَرخِ مِن فَلَكِ الأَزرارَ مَطلَعُهُ
وَدَّعتُهُ وَبوُدّي لَو يُوَدِّعُنِيصَفوَ الحَياةِ وَأَنّي لا أَودعُهُ
وَكَم تَشبَّثَ بي يَومَ الرَحيلِ ضُحَىًوَأَدمُعِي مُستَهِلّاتٍ وَأَدمُعُهُ
لا أَكُذبُ اللَهَ ثوبُ الصَبرِ مُنخَرقٌعَنّي بِفُرقَتِهِ لَكِن أَرَقِّعُهُ
إِنّي أَوَسِّعُ عُذري فِي جَنايَتِهِبِالبينِ عِنهُ وَجُرمي لا يُوَسِّعُهُ
رُزِقتُ مُلكاً فَلَم أَحسِن سِياسَتَهُوَكُلُّ مَن لا يُسُوسُ المُلكَ يَخلَعُهُ
وَمَن غَدا لابِساً ثَوبَ النَعِيم بِلاشَكرٍ عَلَيهِ فَإِنَّ اللَهَ يَنزَعُهُ
اِعتَضتُ مِن وَجهِ خِلّي بَعدَ فُرقَتِهِكَأساً أَجَرَّعُ مِنها ما أَجَرَّعُهُ
كَم قائِلٍ لِي ذُقتُ البَينَ قُلتُ لَهُالذَنبُ وَاللَهِ ذَنبي لَستُ أَدفَعُهُ
أَلا أَقمتَ فَكانَ الرُشدُ أَجمَعُهُلَو أَنَّنِي يَومَ بانَ الرُشدُ اتبَعُهُ
إِنّي لَأَقطَعُ أيّامِي وَأنفقُهابِحَسرَةٍ مِنهُ فِي قَلبِي تُقَطِّعُهُ
بِمَن إِذا هَجَعَ النُوّامُ بِتُّ لَهُبِلَوعَةٍ مِنهُ لَيلى لَستُ أَهجَعُهُ
لا يَطمِئنُّ لِجَنبي مَضجَعُ وَكَذالا يَطمَئِنُّ لَهُ مُذ بِنتُ مَضجَعُهُ
ما كُنتُ أَحسَبُ أَنَّ الدهرَ يَفجَعُنِيبِهِ وَلا أَنَّ بِي الأَيّامَ تَفجعُهُ
حَتّى جَرى البَينُ فِيما بَينَنا بِيَدٍعَسراءَ تَمنَعُنِي حَظّي وَتَمنَعُهُ
قَد كُنتُ مِن رَيبِ دهرِي جازِعاً فَرِقاًفَلَم أَوقَّ الَّذي قَد كُنتُ أَجزَعُهُ
بِاللَهِ يا مَنزِلَ العَيشِ الَّذي دَرَستآثارُهُ وَعَفَت مُذ بِنتُ أَربُعُهُ
هَل الزَمانُ مَعِيدُ فِيكَ لَذَّتُناأَم اللَيالِي الَّتي أَمضَتهُ تُرجِعُهُ
فِي ذِمَّةِ اللَهِ مِن أَصبَحَت مَنزلَهُوَجادَ غَيثٌ عَلى مَغناكَ يُمرِعُهُ
مَن عِندَهُ لِي عَهدُ لا يُضيّعُهُكَما لَهُ عَهدُ صِدقٍ لا أُضَيِّعُهُ
وَمَن يُصَدِّعُ قَلبي ذِكرَهُ وَإِذاجَرى عَلى قَلبِهِ ذِكري يُصَدِّعُهُ
لَأَصبِرَنَّ على دهر لا يُمَتِّعُنِيبِهِ وَلا بِيَ فِي حالٍ يُمَتِّعُهُ
عِلماً بِأَنَّ اِصطِباري مُعقِبُ فَرَجاًفَأَضيَقُ الأَمرِ إِن فَكَّرتَ أَوسَعُهُ
عَسى اللَيالي الَّتي أَضنَت بِفُرقَتَناجِسمي سَتَجمَعُنِي يَوماً وَتَجمَعُهُ
وَإِن تُغِلُّ أَحَدَاً مِنّا مَنيَّتَهُفَما الَّذي بِقَضاءِ اللَهِ يَصنَعُهُ

أقوال رائعة - أنت لستَ نصف إنسان

" لا تجالس أنصاف العشاق، ولا تصادق أنصاف الأصدقاء، لا تقرأ لأنصاف الموهوبين، لا تعش نصف حياة، ولا تمت نصف موت، لا تختر نصف حل، ولا تقف في منتصف الحقيقة، لا تحلم نصف حلم، ولا تتعلق بنصف أمل، إذا صمتّ.. فاصمت حتى النهاية، وإذا تكلمت.. فتكلّم حتى النهاية، لا تصمت كي تتكلم، ولا تتكلم كي تصمت. 

إذا رضيت فعبّر عن رضاك، لا تصطنع نصف رضا، وإذا رفضت.. فعبّر عن رفضك، لأن نصف الرفض قبول.. النصف هو حياة لم تعشها، وهو كلمة لم تقلها، وهو ابتسامة أجّلتها، وهو حب لم تصل إليه، وهو صداقة لم تعرفها.. النصف هو ما يجعلك غريباً عن أقرب الناس إليك، وهو ما يجعل أقرب الناس إليك غرباء عنك، النصف هو أن تصل وأن لاتصل، أن تعمل وأن لا تعمل، أن تغيب وأن تحضر.. النصف هو أنت، عندما لا تكون أنت.. لأنك لم تعرف من أنت. النصف هو أن لا تعرف من أنت .. ومن تحب ليس نصفك الآخر.. هو أنت في مكان آخر في الوقت نفسه!!.. 

نصف شربة لن تروي ظمأك، ونصف وجبة لن تشبع جوعك، نصف طريق لن يوصلك إلى أي مكان، ونصف فكرة لن تعطي لك نتيجة.. النصف هو لحظة عجزك وأنت لست بعاجز.. لأنك لست نصف إنسان. أنت إنسان.. وجدت كي تعيش الحياة، وليس كي تعيش نصف حياة!! "

- جبران خليل جبران