الخميس، 6 نوفمبر 2014

تأثير الفراشة

من الأشياء التي لا أمل من التحدث عنها أو التفكير فيها هو ذلك المفهوم الغريب الذي يُطلق عليه باللغة الدارجة "تأثير الفراشة." (الاسم العلمي لهُ هو "الإعتمادية مُفرطة الحساسية على الشروط الإبتدائية"، وهو ينتمي لأحد فروع الرياضيات التي تُسمى "نظرية الفوضى" والتي تدرس الأنظمة الديناميكية التي يظهر فيها مثل هذا التأثير).

الاستعارة التي تُستخدم في توضيح هذا المفهوم هي الفراشة.. كيف أن خفقةً واحدةً من جناح فراشة في نصف الكُرة الأرضية يُمكنها أن تسبب إعصارًا في النصف الآخر منها، وبهذا فإن "اللافعل" المتمثل في الفراشة، يمكنه أن يتسبب في أحد أعنف أفعال الطبيعة على الإطلاق.

جمال (وغرابة) هذا المفهوم يتجلى في تعارضه مع الطريقة التي نُفكر بها بصورة فطرية. نحن نميل للاعتقاد أن لكُل فعل رد فعل مساو له في المقدار، لذا نحن نتصور أن تأثير حدث ما في حياتنا يتناسب مع "ضخامة" هذا الحدث، لذا نحن نُهمل الأحداث الصغيرة. تأثير الفراشة يُخبرنا أن هذا غير صحيح.

تطبيق هذا المفهوم على مستوى الزمن الشخصي بصورة تقريبية قد يوضحه بصورة أفضل. يُمكنك أن تتخيل أن كل لحظة زمنية تمُر بها على أنها نقطة بداية يتفرع منها عدد لانهائي من الخطوط الزمنية التي يحمل كُل منها واقعًا مختلفًا، التي يُشكل كل منها مُستقبلًا معينًا لا يشابه على الاطلاق مُستقبل الفروع الأخرى.

هذه النقطة في الحقيقة ليست نقطة، إنما هي مجموعة من النقاط المُتقاربة جدًا من بعضها البعض لدرجة أنك تظن أنها منطبقة. الفرع الذي ستخطو فيه نحو مستقبل مُعين سيتغير وفقًا لأحداث لا تُدرك أصلًا أنها حدثت من فرط عدم أهميتها. تلك الأحداث التافهة ستوجه قدمك نحو نقطة بداية معينة دون أن تدرك، في الوقت الذي تعتقد فيه أنت أنك تسير حيث خططت. الآن تتحرك للنقطة التالية بعد أن تكون قد بدأت السير في فرع معين، فتنبثق عند قدميك فروعًا أخرى، ثم أخرى، ثم أخرى.

تأثير الفراشة لا يُرى إطلاقًا إلا بالنظر للخلف. موقف عابر، كلمة، معلومة، أو مُجرد نظرة قد تتسبب في قتل أحدهم بعد 10 سنوات، أو تتسبب في نجاة شخص آخر بعد عشرين سنة.. قد تتسبب في أن يُصبح شخصًا ما لصًا، وأن يصبح آخر رئيسًا.. قد تتسب في أن ترتبط بشخص لم تُخطط له إطلاقًا، وقد تتسبب في أن تنفصل عن شخص كنت قد قررت أن تظل معه للأبد.. المثال الأقصى لهذا الأمر يتمثل في تلك الكلمة التي قد يدخل رجلًا بسببها الجنة، وتلك الأخرى التي أن يهوي بسببها آخر في النار، بالرغم من أن كليهما قد قالها "لا يُلقي لها بالًا".

- د. محمد حجّاج

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق